مجتمع

ينفذ الأشرار ما يحلم به الأخيار: الجانب المظلم من البشر

الأشرار يفعلون ما يحلم به الأخيار.. طبيب نفسي شرعي يسلط الضوء على الجانب المظلم من السلوك البشري.

future صورة تعبيرية (الاعتلال النفسي والاجتماعي)

يتجلى جيفري دامر كرمز مظلم للقتل المتسلسل، حيث قُتل وأُكل لحم 17 شابًا بلا رحمة. ولكن، ما يجعل الأمر أكثر رعبًا هو كتابات والده، ليونيل دامر، الذي اعترف بأنه كان يشعر في شبابه برغبة مريبة في ارتكاب جرائم قتل! 

لكن الفارق الفظيع كان فيما قام به جيفري، الذي تجسدت فيه أحلام والده المرعبة كأفعال واقعية. يظل التساؤل معلقًا، هل ورث جيفري هذا الجانب القاتل من والده؟ وهل كانت أحلام ليونيل مجرد تحذيرات عن ما كان قد ينتظره في ابنه، أم كانت مجرد أوهام؟ 

تبقى هذه الأسئلة الرهيبة محيرة، تمزج بين الوراثة والبيئة والنفسية في محاولة لفهم ظاهرة القتل المتسلسل، حيث لا يعلم أحد حقيقة ما الذي يجعل الأحلام تبقى أحلامًا بينما تتحول إلى جرائم في الواقع.

خيول الأماني

الناشط النفسي الرائد تيودور رايخ لفت الانتباه إلى أنه «إذا كانت الأماني خيولًا، فإنها ستجر عربات جنازات أعز أصدقائنا وأقرب أقربائنا. والحقيقة أن جميعنا نحن البشر نحمل داخل قلوبنا بذور الشر».

كتاب الدكتور روبرت سيمون «Bad Men Do What Good Men Dream: A Forensic Psychiatrist Illuminates The Darker Side Of Human Behavior» يغوص في أعماق العالم المضطرب للنفس البشرية ويشرح تلك الجزئية ببراعة.

يكسر سيمون الوهم السائد بأن السيكوباتيين هم وحوش يمكن التعرف عليهم بسهولة في الظلال. بدلاً من ذلك، يرسم صورة مرعبة بأن الميول السيكوباتية تكمن داخل جزء كبير من السكان، مختبئة وراء قناع العادية. 

أعماقنا المخيفة

تستكشف هذه المقالة الرؤى الرئيسية للكتاب، مسلطة الضوء على طبيعة السيكوباتية وتأثيرها المروع على المجتمع، والتحديات الهائلة في فهم ومعالجة هذا الاضطراب المعقد.

الدكتور روبرت سيمون، رئيس الأكاديمية الأمريكية للطب النفسي والقانون (AAPL)، هو كاتب وطبيب نفسي بارز، ولعل أعظم اعتراف بعلمه كان اقتباس المحكمة العليا لأحد كتبه «الطب النفسي السريري والقانون» (1987)، في القضية الشهيرة واشنطن ضد هاربر.

القدرة على استكشاف الأفكار والمشاعر المرفوضة دون أن نتحول إلى أفعال غير مقبولة ليست مهارة محصورة فقط للأطباء النفسانيين أو مرضاهم. يستطيع معظم الأشخاص مقاومة أو تعديل لغرائزهم الحيوانية، وغالبًا ما يتم ذلك بفضل وعيهم بوجود شرطي يقف على الزاوية. 

هناك فرق كبير بين التفكير في الشر وفعله، وعلى الرغم من أن بعض الأديان لا تقبل هذا التمييز، فإن القانون يقبله ويتعامل وفقًا له. لو لم يكن الأمر كذلك، لوجدنا أنفسنا جميعًا في السجن بسبب الأفكار المرفوضة التي نحملها أحيانًا، ربما حتى على منصة الإعدام.

يفكك الكتاب الفكرة الخاطئة بأن السيكوباتية نادرة. تكشف الإحصاءات عن انتشار مثير للقلق للسلوك المعادي للمجتمع، يتركز بشكل أعلى بكثير داخل السجون. يستشهد سيمون بأبحاث تشير إلى أن أكثر من 5% من الذكور و1.2% من الإناث يظهرون علامات السيكوباتية في مرحلة ما من حياتهم.

هذا يعني عددًا كبيرًا من الأفراد القادرين على إلحاق الأذى، غالبًا ما يتماهون بشكل سلس في المجتمع.

يميز الكتاب السيكوباتية عن الأمراض النفسية الأخرى. في حين يمكن أن تساهم الأمراض النفسية في العنف، فهي ليست الجاني الوحيد. العديد من المجرمين لا يعانون من أي اضطراب نفسي مشخص. وفقًا لسيمون، تنبع السيكوباتية من تفاعل معقد لعوامل تشمل نقص التعاطف، شعور متضخم بالأهمية الذاتية، وعدم احترام للمعايير الاجتماعية.

السياق الاجتماعي: إطلاق العنان للوحش أو كبحه

تلعب البيئة الاجتماعية دورًا حاسمًا في توجيه أو قمع الميول المعادية للمجتمع. تعتبر تجربة ميلجرام الشهيرة، حيث أقدم أشخاص عاديون على إلحاق الألم بالآخرين تحت تأثير السلطة، مثالاً صارخًا. تظهر الدراسة كيف يمكن للتصديق الاجتماعي أن يتجاوز البوصلات الأخلاقية، مما يدفع حتى الأفراد ذوي النوايا الحسنة نحو القسوة.

تجربة ميلجرام هي سلسلة من التجارب النفسية التي أجراها العالم النفسي الأمريكي ستانلي ميلجرام في الستينيات من القرن العشرين. هدفت التجربة إلى دراسة مدى استعداد الأفراد لإطاعة السلطة والانصياع للأوامر حتى لو تعارضت هذه الأوامر مع ضمائرهم الأخلاقية.

استوحى ميلجرام فكرته من محاكمات مجرمي الحرب النازيين، حيث دافع العديد منهم بأنهم كانوا ينفذون الأوامر فقط.

شارك في التجربة مجموعة من المتطوعين الذين تم إخبارهم بأنهم سيشاركون في دراسة عن تأثير العقاب على التعلم. تم تقسيم المشاركين إلى معلمين ومتعلمين، ولكن في الحقيقة، كان المتعلمون مجرد ممثلين يتظاهرون بالمعاناة من الصدمات الكهربائية، في حين أن المشاركين الحقيقيين كانوا هم المعلمين. كان المعلمون يعطون أوامر من قبل الباحث لزيادة شدة الصدمات الكهربائية تدريجيًا كلما أخطأ المتعلم في الإجابة عن الأسئلة.

أظهرت النتائج أن معظم المشاركين كانوا مستعدين لإطاعة الأوامر والاستمرار في زيادة شدة الصدمات الكهربائية، حتى عندما كانوا يسمعون المتعلمين يتظاهرون بالألم الشديد وطلب التوقف. أثارت التجربة جدلًا واسعًا حول أخلاقياتها، ولكنها سلطت الضوء على قوة الضغط الاجتماعي وتأثير السلطة على السلوك البشري.

كانت تجربة ميلجرام نقطة تحول في فهم سلوك الإنسان تحت الضغط والسلطة. أظهرت التجربة أن الأشخاص العاديين يمكن أن يرتكبوا أفعالًا ضارة إذا ما وُضعوا تحت ظروف معينة وأوامر من سلطة أعلى. ساهمت هذه النتائج في تطوير نظريات جديدة في علم النفس الاجتماعي حول الطاعة والتبعية.

بالمثل، يستكشف الكتاب حالة ضباط قوات الأمن الخاصة خلال الهولوكوست. في حين قد يكون البعض قد امتلك سمات سيكوباتية متأصلة، فإن السياق الاجتماعي لألمانيا النازية، مع تركيزها على الطاعة والكراهية، دون شك ساعد في تسهيل أفعالهم الوحشية. يسلط هذا الضوء على أهمية تعزيز الهياكل الاجتماعية التي تعزز التعاطف والرحمة واحترام الكرامة الإنسانية.

السيكوباتيون في الخفاء: الذئاب في ثياب الحملان

واحدة من أكثر الجوانب المزعجة للسيكوباتية هي قدرتها على الاختباء في العلن. يمكن للسيكوباتيين أن يكونوا أذكياء للغاية ومهرة في المحاكاة الاجتماعية، مما يجعل من الصعب اكتشافهم. يسمح لهم نقص التعاطف باستغلال الآخرين ببرودة مرعبة، غالبًا ما يتركون وراءهم أثرًا من الحياة المحطمة والثقة المكسورة.

يستكشف الكتاب طيف السلوك الإجرامي المرتبط بالسيكوباتية. يميز بين المجرمين السيكوباتيين وأولئك الذين تدفعهم عوامل أخرى مثل الذهان أو الإدمان. يوصف المجرمون السيكوباتيون غالبًا بأنهم باردو الدم، يفتقرون إلى الندم أو الشعور بالذنب على أفعالهم. قد يحفزهم الرغبة في السلطة، السيطرة، أو ببساطة الإثارة.

يتناول الكتاب حالة آرثر ج. شوكروس، قاتل متسلسل تم تشخيصه باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. أثارت جرائم القتل التي ارتكبها آرثر جيه شوكروس رعبًا في سكان شمال نيويورك، حيث أودت بحياة 10 نساء، معظمهن كانوا بغايا. 

في محاكمة شوكروس، أدلى الطبيب النفسي الشرعي الدكتور بارك إليوت ديتز بشهادته، مشيرًا إلى أنه بعد فحصه للقاتل، قرر أنه يعاني من اضطراب شخصية معادية للمجتمع. وقد أكد الدكتور أوتنو لويس، الذي أدلى بشهادته أيضًا خلال المحاكمة، أن شوكروس كان يعاني من اضطراب تعدد الشخصيات، بالإضافة إلى تشخيصات أخرى تشمل تلف الدماغ، واضطراب النوبات، واضطراب ما بعد الصدمة الناتج عن تجاربه القاسية في حرب فيتنام وسوء المعاملة الشديدة التي تعرض لها في طفولته المبكرة.

في كتابه «الابن الخاطئ: قاتل متسلسل وضحاياه»، يقدم جاك أولسن وصفًا مفصلًا لتطور شوكروس منذ ولادته حتى أصبح قاتلًا متسلسلًا. منذ طفولته، 

يعرض تاريخ شوكروس أمثلة مرعبة على الثلاثية السابقة للقتل، التي تُرى غالبًا في السيكوباتيين. 

الثلاثية السابقة للقتل، المعروفة أيضًا باسم ثلاثية ماكدونالد، هي مجموعة من ثلاثة عوامل سلوكية تم تحديدها لأول مرة من قبل عالم النفس جون ماكدونالد في الستينيات. تشير هذه العوامل إلى السلوكيات التي يمكن أن تكون مؤشرات مبكرة على أن الفرد قد يتطور ليصبح قاتلًا متسلسلًا أو يعاني من اضطرابات نفسية خطيرة. تشمل هذه العوامل:

  1. إضرام النار:

   - يُعتبر إضرام النار سلوكًا ينطوي على تدمير الممتلكات والتعبير عن الغضب والعدوانية. قد يكون الأطفال أو الشباب الذين يميلون إلى إشعال الحرائق بانتظام يعبرون عن إحباطهم أو غضبهم بطرق غير مقبولة اجتماعيًا.

  1. القسوة على الحيوانات:

   - يُظهر الأشخاص الذين يتعاملون بقسوة مع الحيوانات ميولًا سادية، حيث يستمتعون بإلحاق الألم والمعاناة بالكائنات الحية التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها. يعتبر هذا السلوك مؤشرًا قويًا على الافتقار إلى التعاطف والميل للعنف.

  1. التبول اللاإرادي:

   - يرتبط التبول اللاإرادي، خاصة إذا استمر بعد سن الطفولة المبكرة، بالشعور بالخجل والإذلال. يمكن أن يكون هذا السلوك نتيجة لبيئة منزلية مضطربة أو صدمات نفسية، مما يساهم في تطور مشاعر الغضب والكبت التي قد تتجلى لاحقًا في سلوكيات عنيفة.

تمثل هذه العوامل الثلاثة مؤشرات تنذر بالخطر، حيث يمكن أن تشير إلى وجود مشكلات نفسية أو اجتماعية عميقة. ومع ذلك، لا يعني وجود هذه العوامل بالضرورة أن الفرد سيصبح قاتلًا متسلسلًا، بل إنها قد تشير إلى الحاجة إلى تدخل نفسي مبكر لتجنب تطور سلوكيات أكثر خطورة في المستقبل.

خلال خدمته في القوات المسلحة في فيتنام، كتب آرثر جيه شوكروس رسائل لمنزله تتناول تجاربه الصادمة في ساحات القتال. بعد عودته إلى ووترتاون، نيويورك، ارتكب سلسلة من جرائم الحرق والسطو.

تم القبض عليه وإدانته، وأمضى 5 سنوات في السجن قبل أن يتم إطلاق سراحه بشروط وتحت رعاية والديه. لكنه بعد ذلك ارتكب جريمتي خنق بحق صبي وفتاة. خلال محاكمته الثانية، اتفق شوكروس على الاعتراف بتهمة واحدة فقط من القتل غير العمد، مما أدى إلى حكمه بالسجن مدى الحياة.

أثناء فترة احتجازه، بقي شوكروس لغزًا للأطباء النفسيين في جرينهافن، سجن شديد الحراسة في ستورمفيل، نيويورك. وصفه طبيب نفسي بأنه شخص خطير مصاب بالفصام، واضطرابات شخصية، بالإضافة إلى اضطرابات أخرى. بعد قضاء فترة محكوميته الأولى، نجح في إقناع لجنة الإفراج المشروط بإطلاق سراحه مبكرًا بناءً على تقرير طبي يصفه بأنه مستقر عاطفيًا ولا يظهر أي علامات على اضطرابات في الإدراك.

رغم محاولاته للاندماج في المجتمع، كان شوكروس يغادر المدينة بانتظام، ودون علم الشرطة، كان يستهدف النساء الصغيرات والمضطربات. تم العثور على جثث ضحاياه، المشوهة والعارية، في الجداول الجليدية والمستنقعات، حيث أدت تصرفاته إلى واحدة من النجاة فقط بالتظاهر بالموت. تم تشخيصه في محاكمته بمجموعة واسعة من الاضطرابات، لكن لم تتوافق الآراء بشأن حالته النفسية. وأدين بالسجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط.

كان شوكروس محل انتقاد واسع كقاتل متسلسل، وكان هدفًا لمطاردة واسعة النطاق.

سيدة الجليد

على الجانب الآخر، كانت فيرجينيا ماكغينيس تعمل تقريبًا دون ملاحظة خلال سلسلة جرائمها التي تسببت في وفاة ما لا يقل عن أربعة أشخاص. في مدينة كاليفورنيا، كانت فيرجينيا تمارس جرائمها دون أن يلفت لها انتباه، متسببة في وفاة عدد من الأشخاص دون أن تثير الشكوك حتى بعد وفاة ديانا هوبارد وايلد، البالغة من العمر خمسة عشر عامًا.

كانت ديانا تزور منزل ماكغينيس وزوجها عندما وقعت من حافة جبلية في بيغ سور، كاليفورنيا، في رحلة مأساوية لمشاهدة المناظر الطبيعية. عائلة وايلد، الذين كانوا يعيشون في لويزفيل، كنتاكي، لم يستطيعوا تفسير ما حدث، وطلبوا من المحامي الضريبي، ستيفن كيني، أن يساعدهم في التحقيق.

اكتشف كيني أن فيرجينيا ماكغينيس قد اشترت بوليصة تأمين على حياة ديانا يومًا واحدًا فقط قبل وفاتها، وأن المستفيد كان ابنها المسجون. بدأت الأمور تتضح ببطء عندما كشفت التحقيقات عن سلسلة من الجرائم التي شملت القتل، والسرقة، والحرائق، وحالات التسمم التي استفادت منها ماكغينيس.

ولكن القصة لم تكن مجرد سلسلة من الجرائم. كشفت الأبحاث عن طفولة مضطربة لفيرجينيا ماكغينيس، ابنة مزارع معزولة، كانت تعاني من سوء التغذية وتعيش في ظروف غير صحية، ما دفعها لتكره الناس وتتحول إلى سلوكيات مشاغبة وعدائية.

تم تقديم فيرجينيا ماكغينيس للمحاكمة بتهمة قتل ديانا وايلد، ووصفها الادعاء بأنها قاتلة بدون رحمة، استطاعت ببراعة خداع النظام لسنوات لتجني مكاسبها الخاصة من وفيات ضحاياها. وبعد محاكمة طويلة ومعقدة، حُكم على ماكغينيس بالسجن مدى الحياة بدون إمكانية الإفراج المشروط.

كان هايلبرونر، الذي كتب عن القضية، يصف ماكغينيس بأنها سيدة الجليد، شخصية طبيعية تبتسم وتتحدث برقة، وراءها قلب بارد وقدرة على الخداع لأغراضها الشخصية.

في كتابه «قناع العقل»، والذي نُشر عام 1941، استكشف الطبيب النفسي هيرفي كليكلي الواجهة الخادعة التي يظهرها الأفراد السيكوباثيون للعالم. يصف كليكلي كيف يتقن هؤلاء الأفراد تقليد المشاعر والإشارات الاجتماعية للتلاعب بالآخرين والاندماج في المجتمع، في حين يخفون عدم وجود تعاطف عميق وضمير. يعكس مفهوم قناع العقل قدرتهم على الحفاظ على مظهر خارجي مقنع يسمح لهم بالتنقل بين المواقف الاجتماعية بينما يخفون طبيعتهم الحقيقية، مما يسمح لهم بالاستمرار في سلوكياتهم الخداعة والمدمرة دون أن يشعروا بالشكوك الأخلاقية.

لماذا لا يفعل الأشخاص الطيبون الأمور السيئة دائمًا

يعترف الدكتور سيمون بالظلام الكامن داخل جميع البشر. جميعنا نشعر بالغضب والغيرة والرغبة في حماية الذات. ومع ذلك، يمتلك معظمنا بوصلة أخلاقية وقدرة على التعاطف تمنعنا من التصرف بناءً على هذه الرغبات. من ناحية أخرى، يفتقر السيكوباتيون إلى هذا الكبح الداخلي، مما يجعلهم عرضة لاندفاعاتهم المظلمة.

يتناول الكتاب سؤالاً أثار اهتمام علماء النفس والفلاسفة لقرون: لماذا يتمكن الأشخاص الطيبون غالبًا من مقاومة دوافعهم المظلمة، بينما يستسلم لها آخرون؟ يستكشف المؤلف، وهو طبيب نفسي متمرس لديه سنوات من الخبرة في علاج الأفراد المضطربين، مفهوم الصحة النفسية باعتباره العامل الرئيسي الذي يميز بين السلوك الطيب والسيئ.

الكتاب يتناول أيضًا أهمية قبول الذات كعنصر أساسي في الصحة النفسية. على سبيل المثال، يشرح كيف أن الأشخاص الذين يقبلون عيوبهم ونقائصهم بدون أن يسعوا لتحقيق الكمال غالبًا ما يكونون أفضل في التعامل مع تحدياتهم وتجنب السلوكيات الضارة. في المقابل، الأفراد الذين ينتقدون أنفسهم باستمرار ويسعون للكمال الذي لا يمكن تحقيقه، قد ينجذبون بشكل أكبر نحو السلوكيات التدميرية التي تعكس عدم القبول الذاتي والنقد الدائم للذات.

بالإضافة إلى ذلك، يؤكد الكتاب على أهمية بناء العلاقات الصحية كوسيلة للتعبير عن التعاطف ودعم الآخرين. الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات متينة قد يكونون أكثر قدرة على فهم ومشاركة مشاعر الآخرين، مما يقلل من احتمالية ممارسة سلوكيات ضارة أو عدائية.

بشكلٍ عام يمكننا تأكيد أن الصحة النفسية لا تقتصر على عدم وجود مرض نفسي، بل هي حالة إيجابية تتضمن إدارة العواطف، والقدرة على التعامل مع الصعاب، والعثور على هدف ومعنى في الحياة. هذه الصفات تمكن الأفراد من تجنب السلوكيات الضارة واتخاذ القرارات الصحيحة بناءً على قيمهم الأخلاقية والاجتماعية.

يولي الكتاب أهمية خاصة للتعاطف. كشفت الأبحاث الحديثة عن وجود خلايا عصبية مرآتية في الدماغ، يُعتقد أنها تلعب دورًا في قدرتنا على فهم ومشاركة مشاعر الآخرين. الأشخاص الذين يتمتعون بتعاطف قوي هم أقل احتمالًا للانخراط في سلوك قاسي أو مدمر لأنهم يفهمون الألم الذي سيسببونه.

يختتم الكتاب بدعوة إلى نهج أكثر شمولية لمنع السلوك السيئ. بينما يلعب إنفاذ القانون والسجن دورًا، يجادل الكتاب بأن الوقاية الحقيقية تكمن في تعزيز العائلات والمجتمعات القوية التي تغذي الصحة النفسية. يمكن أن يتضمن ذلك تقديم خدمات الدعم للعائلات التي لديها أطفال، تعزيز التعليم في الطفولة المبكرة، ومعالجة العوامل الاجتماعية التي تؤدي إلى السلوك السيئ.

# علم نفس # صحة نفسية # طب # صحة

وهم السيطرة: كيف تتحكم العشوائية في حياتنا أكثر مما نعتقد؟
الثقافة الرمضانية والوظيفة الفسيولوجية للفن
كيف أواصل حياتي أثناء نوبة اكتئاب عنيف؟

مجتمع